هل علوم البيانات كانت مجرد ظاهرة وانتهت أمام ظاهرة الذكاء الاصطناعي ؟

مع بدايات عام 2018، بدأت ظاهرة علوم البيانات – Data Science – وتحليل البيانات – Data Analysis – في الإنتشار حتى في عام 2020 أصبحت كلمات مثل “علوم البيانات” من أكثر الكلمات التي تم البحث عنها بواسطة محركات البحث.. العديد من المقالات والفيديوهات التي تتحدث عن المجال الصاعد والرواتب الضخمة والفرص المفتوحة. والان في عام 2024، بدأت الظاهرة في الإختفاء تدريجياً خاصة بعد صعود شات جبت في بدايات عام 2023 والثورة التكنولوجية التي أحلت على عالم التكنولوجيا بعد تواجده في المشهد.. فماذا حل بعلوم البيانات وما هو مستقبلها؟

مبدأياً، كيف بدأت ظاهرة “تريند” علوم البيانات ؟

ربما قد تتفاجئ حين أخبرك أن معظم خوارزميات الذكاء الإصطناعي وتعليم الالة موجودة منذ أربعينات القرن الماضي ولكنها كانت مجرد معرفة نظرية.. تطبيقها على أرض الواقع هو أمر “شبه مستحيل ” نظراً لبعد الإمكانيات التقنية وعدم توفر الموارد المتاحة. فربما تتفاجئ حينما تعرف أن أشهر خوارزميات التعلم العميق ” Backtracking Algorithm” كانت أول مرة يتم تقديمه إلى عالم علوم الحاسب في خمسينيات القرن الماضي!

خوارزمية “Backtracking” كانت بالفعل مستخدمة في العديد من المشاريع الأخرى مثل حل البازلس ” Puzzles” وغيرهم ولكن لم نتمكن أن نستفد الإستفادة القصوى منها خلال تلك الفترة. علوم ذات أساس نظري موجود منذ منتصف القرن الماضي، حتى إن البروفيسور Yann LeCun – وهو يعتبر الأب الروحي للذكاء الإصطناعي – كان قد قدم بالفعل أول نموذج “موديل” في ستينيات القرن الماضي وهو الذي سمح للكمبيوتر بدوره التعرف على الأرقام والحروف والرموز. وكذلك خوارزميات تعلم الآلة المتواجدة بالفعل من 2008 ولكن بدون أي تطبيق عملي يذكر. لماذا؟ علام تطبق خوارزميات مستهدفة لتكوين روابط بين البيانات بدون بيانات؟

مع بدايات عام 2012، ومع إنطلاق جوجل درايف “Google Drive” ومع بدئ تداول فكرة السحابة الإلكترونية، وبدئ تحول شركات مثل فيسبوك وتويتر من مجرد مواقع شبكية ذات أفكار قيمة إلى عمالقة تكنولوجيا، ومع ذلك التحول أتى بالفعل الإحتياج إلى تكوين مراكز تخزين البيانات.. المعاملات البنكية.. بيانات حسابات المستخدمين، خدمات أونلاين مثل أمازون، توغل التسويق الشبكي في عالم الإنترنت، بيانات متوفرة لأسباب روتينية مثل متابعة العمليات وخدمات العملاء بدون أي أستثمار حقيقي لتلك البيانات.

ومن هنا كانت نقطة إنطلاق للعلوم الناشئة مثل تعلم الآلة، تحليل البيانات، التعلم العميق وحتى قوانين الإحصاء المتواجدة منذ القرن الثامن عشر التي كانت تتعطش توفير موارد تقنية مثل المعالجات والأجهزة ذات السرعة الفائقة وبالطبع العملة الأهم التي كانت مفقودة هي البيانات. وللمفارقة الطريفة ، نشأت في ذلك الوقت شركة صغيرة في سيليكون فالي تسمى “OpenAI” في عام 2015 وكانت غير تهدف للربح في وقتها..!

مع تصاعد نماذج قائمة على تحليل البيانات مثل نتفلكس وفيسبوك وأمازون وتحقيقها النجاح الفائق في عامي 2015 و 2016، أصبحت تلك النجاحات ملهمة لجميع الشركات، وكأنهم أكتشفوا فجأةً كنز مدفون تحت أعينهم طوال الوقت. حتى وإن وصل مجال علوم البيانات للعبة مثل كرة القدم لتصبح من أكثر الألعاب تعقيداً بعد النجاح الفائق لفريق ليفربول منذ عام 2016 وحتى وقتنا هذا المبني بالأساس على تحليل البيانات. كما أن علوم البيانات لعبت دوراً مؤثراً جداً أثناء انتشاء فيروس “Covid – 19 ” لتصبح واحداً من أكثر الظواهر المنتشرة في عام 2020.

هل كانت مجرد ظاهرة حقاً وهل إختفت الآن أمام تصاعد الذكاء الإصطناعي؟

ربما هو الإعتيادي الآن أن أي شركة في طريقها للتصاعد تقوم بناءاً على الاستنتاجات الإحصائية، القرارات المصيرية التي تتخذها الشركات الآن هي مدعمة بأسس منطقية لأن الشركة لديها ما يكفي من المعلومات لتضمن “صحة” القرار التي أتخذته. لكن في حقيقة الأمر، لم تكن هذه العملية إعتيادية إلا بعد ظهور علوم البيانات.

أصبح الأمر إعتيادياً لأن البيانات أصبحت متوافرة على نطاق أوسع مما كانت عليه بل ولا يزال هذا النطاق يأخذ في التوسع. جميع الشركات الآن أدركت قيمة البيانات، وبالتبعية أدركت قيمة محللي وعالمي البيانات حتى إن بعض الشركات لديها فرق كاملة متخصصة في معالجة وتحليل وإستنتاج المعلومات من البيانات.

المعادلة بسيطة، ما دامت توجد بيانات فلابد من وجود محلل لتلك البيانات. أما عن التراجع أمام الذكاء الإصطناعي.. فالأمر راجع إلى كلمات مفتاحية على محركات البحث ليس إلا. في حقيقة الأمر، علوم البيانات والذكاء الإصطناعي هم ليسا مختلفين تماماً عن بعضهما البعض. هذه المنطقة من علوم الحاسب هي رمادية إلى حد كبير والمسميات قد تكون خادعة بها. فعالم البيانات قد يستقل اليوم ليصبح مطور ذكاء إصطناعي بالغد في شركة أخرى بكل بساطة.

مستقبل علوم البيانات والثورة التي أحدثتها السحابة في علوم البيانات

ربما قد إستنتجت بالفعل من الفقرات السابقة أن مستقبل علوم البيانات في إتجاه تصاعدي، نسبة جيدة من الشركات الآن تمتلك فرق كامة لمعالجة وتحليل البيانات للتأكد من الإستفادة القصوى من هذا الحقل. أما عن التقنيات فلازالت تعتبر هي نفس الإمكانيات منذ نشأتها، لغة R لازالت مطلوبة في مجال تحليل البيانات وليست تندثر كما يزعم بعضهم. عدا ذلك فالتقنيات لازالت كما هي عدا دخول خدمات السحابة كضيفاً مرحب به على مجال علوم البيانات.

مقترح: أفضل مشاريع لعلوم البيانات للمبتدئين حتى الإحتراف لعام 2024

في البدايات، يُنجز الكثير من عمل علماء البيانات على أجهزتهم الخاصة ويقوموا. يُنزَّل البيانات إلى جهاز محلي ذو إمكانيات محدودة – حتى وإن اختلفت إمكانيات أجهزتهم فهي في نهاية المطاف محدودة بوجه عام – ويكون عمل عالم البيانات منفصلًا تمامًا عن باقي أفراد الفريق – حتى وإن كانوا يعملون على نفس المشروع. بوجه عام هذه بيئة غير مشجعة على تحقيق الكثير من الإنجازات ولكن المشكلة الأصلية لم تكن في الفردية التي كانت يواجهها عالموا البيانات.

في الحقيقة ما كان يسبب عائق أكبر من تلك الفردية هو التغير المستمر للبيانات في مشاريع معتمدة بالأساس على هذا التغير المستمر مثل مشاريع الطقس. تخيل معي إعصار سيضرب مدينة الإسكندرية بمصر ويحتاج المحللين أكبر قدر ممكن من البيانات والعمل سوياً بأكبر قدر ممكن من الموارد المتاحة في أقل الأوقات القصيرة المتاولكن الموارد المحلية – أي، اجهزة المطورين – غير كافية لتحقيق هذا القدر.

للتبسيط المٌخِل، الأدوات المعتمدة عالسحابة – مثل Tableau – تستخدم موارد العديد من الأجهزة المتصلة بالشبكة لجعل التحليلات سريعة وتسمح بالتعاون بين أفراد الفريق. الغرض من تكامل مجال مثل السحابة الإلكترونية مع علوم البيانات كان هو التوسع في الموارد المتوفرة لعلماء البيانات وإتاحة الفرصة للتعاون بين الأفراد.

في نهاية المقال، أترككم مع تحليل لطيف عن مجال علوم البيانات من السنوات 2022 حتى عام 2030 وما المتوقع أن يحدث في الفترة المقبلة من تطور وإزدهار. يمكنك الإضطلاع على المقال من هنا.

اشترك فى القائمة البريدية

عن الكاتب

شارك على وسائل التواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *